
إذا ما ابتعدنا قليلًا عن اللغة الإنشائية وتعداد الإنجازات وكل ما يجري على الساحة اللبنانية، من خضّات داخلية وتراشق المسؤوليات، واتّجهنا إلى واحد من أهم الملفات التي تتخبّط فيها القوى السياسية والاقتصادية والمالية والمجتمعية، يحتل اليوم الإنقاذ الإقتصادي الساحة بامتياز من دون منازع.
وبين خطة حكومة دياب والخطة المكتملة التي وضعتها جمعية المصارف في أيدي الحكومة كمساهمة للخروج من المأزق المالي، ورغم التفاوتات الكبرى والتساؤلات، فلنفصّل بالأرقام ما تمّ طرحه من الجهتين، علّنا نستخلص الفوارق.
في احتياجات ميزان المدفوعات
تطرح الحكومة في خطتها مبلغ 28 مليار دولار لاعادة النهوض القتصادي، 10 مليار دولار مصدرها صندوق النقد الدولي، أما مبلغ 18 مليار المتبقي فمجهول المصدر، أو كيفية تمويله حتى الساعة لا تزال ضبابية، والأرجح سيتم سحبه من اموال المودعين والحسابات المصرفية.
اما حسب جمعية مصارف لبنان وفي ورقة المساهمة المقدّمة للحكومة، لبنان بحاجة ل 8 مليار دولار فقط، يصرف منها المبلغ الاكبر ابتداء من العام 2020 ويعيد تسديد المبلغ كاملا خلال اربعة سنوات بفائدة منخفضة تساوي 4%.
في الناتج المحلي الاجمالي والتضخم
خطة الحكومة معتمدة مبدئيًا على الاختلالات الهيكلية الأولية والمالية، وتستخف بتأثير الهيركات وتتغاضى عن معالجة العجز، فتفترض أن سنة 2021 هي أسوأ سنة أداء مع معدل تضخم يصل إلى 23.3% ومع استمرار الركود بنسبة -4.4٪ وما لذلك من نتائج سلبية عدة ومنها استمرار هجرة الأدمغة وانخفاض النمو المحتمل في المستقبل القريب.
كل ذلك يترافق مع تدهور إضافي يستمر لأواخر العام 2023 لنشهد تحسّن مرجّح في العام 2024، مما يعني غياب نتائج جدية او نمو حقيقي قبل أربعة سنوات بالحدّ الأدنى.
أما اقتراح جمعية المصارف فيتمثّل بآلية تسوية، تساعد بحماية اموال المودعين عبر صندوق حكومي لخفض الديون، مما سيساهم حسب المصادر المصرفية بخلق تدفق بالسيولة، مع نمو إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي ومعدل تضخم تحت السيطرة بدءا من العام 2021، اي ظهور طفيف لنتائج ايجابية بسنة واحدة.
إذ أنّ التوقعات المالية للمساهمة مستمدّة من رؤية اقتصادية متكاملة للبنان، منها زيادة الحصة الإنتاجية من الناتج المحلي الإجمالي من 16% إلى 35%، وتعتمد بالجزء الأكبر على تطوير البنية التحتية والزراعة واقتصاد المعرفة. مما سيودي حتمًا بحسب المصدر المصرفي الى تطوير الاقتصاد وترميم ثقة المودعين والمستثمرين وتخفيض العجز المالي.
في الدين العام والهيركات
تعتمد الحكومة بخطتها على تحميل خسائر الدولة المتراكمة للمودعين أولًا، مع بتطبيق هيركات بنسبة 50% على الديون المحلية، ما يعني إعادة هيكلة لل55 مليار دولار و 75% هيركات على الديون الخارجية، بما معناه إعادة هيكلة 31 مليار دولار، وهكذا تدبير قاس بحسب مصادرنا قد يزعزع ثقة المستثمرين وبهدّد أموال المودعين ورؤوس الأموال المحتملة.
بينما خطة المساهمة المقدمة من الجمعية فلا تتضمّن تطبيق اي هيركات ولا تمسّ بأموال المودعين، إنما تقترح إعادة شراء 40 مليار دولار وإعادة هيكلة 15 مليار دولار من الدين المحلي وإعادة شراء 6 مليار دولار وإعادة هيكلة 26 مليار دولار من الديون الخارجية، أي تمديد الاستحقاقات علي الديون الخارجية لمدة 30 سنة بسعر فائدة جديد محدد بنسبة 2% للدينين المحلي والخارجي، مما قد يعيد ترميم ثقة المستثمرين والمودعين التي خسرها القطاع كما الدولة بكل قطاعاتها.
ومع اختلاف الخطط والمساهمات ولغة الأرقام المتضاربة، يبقى الثابت الوحيد، استعادة الثقة محليًا أولًا بتنفيذ الاصلاحات الموعودة والتوجه الحقيقي لإعادة ثقة المجتمع الدولي بدولة قادرة سيّدة قراراتها، همها الاول مستقبل مواطنيها علّهم يعيدون ايمانهم بدولتهم قبل الانهيار التام.
MTV