The News Jadidouna

تصويب أهالي شهداء المرفأ تحرُّكهم يجعله وطنيّاً

سركيس نعوم – النهار

لا أحد يستطيع أن يلوم أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت أو تفجيره في 4 آب الماضي إذا تحرّكوا ومنذ تلك الفجيعة وبوتيرة مُنتظمة من أجل الضغط على الدولة اللبنانيّة التعيسة وأجهزتها المتنوِّعة الأكثر تعاسة ومنها القضاء كي تقوم بكل ما يلزم من تحقيقات داخليّة ومع الخارج المعني من أجل كشف حقيقة ما جرى في هذا المرفأ التاريخي المهم. من حقّهم بل من واجبهم أن لا يرتاحوا ولا يدعوا أحداً يرتاح وخصوصاً من كبار الدولة ومؤسّساتها الدستوريّة والقضائيّة والعسكريّة وأجهزتها الأمنيّة المتنوّعة.

يفرض على الإعلام، إضافة إلى مواكبته ودعمه ومساعدته بالرأي والكلمة السديدة والمعلومة الصحيحة والصورة غير المؤذية، أن يكون مُتروّياً وأن يُقدّم لهؤلاء أو لقادة تحرّكهم النصيحة المُحبّة بهدوء مع استمرار التحرُّك، وذلك تلافياً لتطوّرات وانفعالات وردود فعل تؤذي قضيّتهم وهي القضيّة الوطنيّة الأولى في لبنان اليوم، وربّما تفتح طريق الفوضى العارمة و”المُنظّمة” في آن من قبل الجهات الداخليّة والخارجيّة التي لها مصلحة أو مصالح أوّلاً في جعل قضيّة شهداء المرفأ في أدنى الاهتمامات الوطنيّة والشعبيّة، كما في عودة شعوبه التي لم توقف حربها السياسيّة رغم وقفها الحروب العسكريّة والأمنيّة، إلى هذه الحروب. السبب الظاهري والفعلي الدائم هو الصراع على السلطة وعلى النظام والصيغة وهويّة الحكم الطائفيّة والمذهبيّة. علماً أنّ السبب الأعمق قد يكون حاجة القوى الإقليميّة الكبرى إلى استخدام ساحة لبنان وعدم استقرار أبنائه وفقرهم وتقاتلهم التنافسي من أجل زيادة فرص اتّساع أدوارها في المنطقة بل سيطرتها عليها أو على بعضها. كما قد يكون عدم ممانعة القوى الدوليّة الكبرى في ذلك إمّا لعجزها عن التدخُّل لوقف التدهور وإمّا لتواطئها مع جهات الإقليم والداخل اللبناني بهدف ضرب أجندات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة وإحياء أجندات أخرى.

في هذا المجال يُدرك أهالي شهداء مرفأ بيروت أنّ اكتفاءهم بـ”تجمّعهم” بعدما أخذوا علماً وخبراً به من الدوائر الرسميّة المعنيّة، أنّ إكتفاءهم بالتحرّك الاحتجاجي مُنفردين يوميّاً أو على نحوٍ شبه يوميّ أمام منازل مسؤولين وأمام المرفأ وأمام وزارة العدل وأمام مجلس النوّاب وأيّ مؤسّسة رسميّة أخرى دستوريّة وغير دستوريّة، إنّ اكتفاءهم بهذا التحرّك لن يُعطي النتيجة المطلوبة. فللعدد سطوة ودورٌ مُهمّين في التحرّكات الشعبيّة.

الأوّل أنّ الاحتجاج الشعبي يكون مُفيداً إذا بقي سلميّاً، أي إذا لم يلجأ القائمون به إلى التكسير والتخريب للمنازل والسيارات وإلى الاشتباك مع القوى الأمنيّة كما إلى محاولة اقتحام منازل المسؤولين. طبعاً يتفهّم “الموقف هذا النهار” حرقة أهالي الشهداء الـ200 وحرقة الـ6500 مجروح وعشرات آلاف الذين تضرّرت منازلهم أو تدمّرت. لكنّه يعرف أنّ المهم “أكل العنب وليس قتل الناطور” وخصوصاً إذا لم تثبت مسؤوليّة له مباشرة ومهمّة عن التفجير أو الانفجار شبه النووي. ويعرف أيضاً أنّ جهات أخرى غيرهم قد تدخل على خط كل تحرّك احتجاجيّ لهم فتحوّله اشتباكاً وتحرفه عن هدفه النبيل.
أمّا الأمر الثاني فهو أنّ على اللبنانيّين الناقمين فعلاً على الدولة ومؤسّساتها وأجهزتها أنّ يُعبّروا عن نقمتهم بالاشتراك مع أهالي الشهداء الـ200 في تحرّكهم الشعبي. يعني ذلك أنّ من واجب المُتضرّرين مباشرة وهم بعشرات الآلاف والناقمين على المُتسبّبن بالتفجير أو الانفجار وهم بمئات الآلاف أن ينزلوا إلى الشارع يوميّاً أو دوريّاً وأن يُقفلوا الطرقات سلماً بحجمهم وأن يحملوا لافتات تُندّد بالجريمة وأن يُطالبوا بواسطتها كما بالهتاف بالمحاسبة. هذا ما يحصل في دول العالم الأوّل المُتحضِّر وهو الذي يُحدث التغيير المطلوب. وأثره لا شكّ في أنّه سيكون أكبر على المسؤولين من السُباب والشتائم وكسر الزجاج ومحاولات الاقتحام.

علماً أنّه لا بُدّ أن يُرافق ذلك تنظيمٌ دقيق يحول دون اندساس مُخرّبين في التحرُّك الشعبي العارم هدفهم إفشاله وحرفه عن مطالبه وإيقاعه في الفتنة الطائفيّة والمذهبيّة دفاعاً عن نظام لم يعد موجوداً وعن دولة ثبُت فشلها وعن طبقات سياسيّة مُتنوّعة لا تتورَّع عن حرق بلاد من أجل الدفاع عن بقائها في السلطة وحماية مكاسبها.

طبعاً قد يظنّ البعض أن الهدف من هذا الكلام هو الدفاع عن وزير الداخليّة محمد فهمي الذي يتّهمه أهالي الشهداء الـ200 بالتصدّي لاستدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم إلى التحقيق أمام المُحقّق العدلي طارق بيطار. لكنّه ليس كذلك، وإن كان يستعمل ما تعرّض له أخيراً من اعتداء موصوف لم يكن مُبرّراً وانّه كان على أهالي الشهداء ومن اندسّ بينهم أن يعرفوا الحقائق قبل أيّ تحرُّك استفزازيّ وانفعالي، وأن يُدقّقوا في الإعلام المؤيّدة غالبيّته لهم من دون أدنى شكّ، لكن الساعية أقليّةٌ منه إلى التعبئة سواء بسبب فرض الحماسة أو لأسباب أخرى كامنة ومؤذية. فالوزير فهمي لم يتراجع عن “وعدٍ” قدّمه أمام إعلاميٍّ بالموافقة على استدعاء ابرهيم كما قال الإعلام لاحقاً وأهالي الشهداء. فهو قال أنّه لا يُمانع في الاستدعاء الذي لا يعني الإدّعاء الذي يرافقه تحقيق وقد يتبعه توقيف بمذكّرة قضائيّة. فالاستدعاء هو للاستماع إلى إفادة شاهد ولا مانع في ذلك وقد قال ابرهيم ما عنده بهذه الصفة للمُحقّق العدلي السابق صوّان. لكن بعدما ظهر أنّ المسوؤل الأمني المذكور مدّعىً عليه من قبل المحقّق بيطار طلب رأي من الدائرة القانونيّة في وزارته وتقيّد به.

في أيّ حال إنّ قضيّة تفجير مرفأ بيروت أو انفجاره خطيرة جدّاً. ولا بُدّ من تحقيق جديّ فيها. فالعنبر رقم 12 وُضع فيه 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم اعتباراً من 2013 ولو انفجرت هذه الكميّة كلّها لكانت تفجّرت العاصمّة بيروت كلّها. لكنّه عندما انفجر كان يحتوي على 500 إلى 600 طن. فأين ذهبت الكميّة الباقية؟ إلى سوريا أو إلى اسرائيل أم إلى أين؟ وكيف دخلت لبنان وهل جُلبت عمداً إليه لتخزينها فيه واستعمالها عند الحاجة حاجة من؟ ومن هي الجهة التي جلبتها؟
ومن سهَّل ومن تواطأ داخل المرفأ وخارجه من كلّ الأسلاك في هذا الموضوع؟ وهل كان للفساد المُعشِّش في المرفأ كما في مؤسّسات الدولة كلّها دورٌ في الإهمال أو ربّما في غضّ النظر؟ ولماذا لا يُحارَب المسؤولون عن الإهمال والفساد إلى أيّ مؤسّسة انتمَوا إذا كان محظوراً على الدولة رغم موتها السريريّ الذهاب أبعد في التحقيقات؟
هذه الأسئلة لا بُد من أجوبة دقيقة وسريعة عنها، إلّا إذا كان وقت ذلك قد فات. فالأزمة السياسيّة – الوطنيّة المتشعّبة تفاقمت كثيراً أخيراً، وما شهده بعد ظهر يوم الخميس الماضي من شغب بعد اعتذار الرئيس المُكلّف سعد الحريري قد يُدخل لبنان حال الفوضى الأمنيّة وغير الأمنيّة الشاملة. من شأن ذلك تحمية الأجواء وربّما تشجيع شعوب لبنان على العودة إلى حروبها العسكريّة والأمنيّة التي أنهاها اتفاق الطائف لكن سوريا المكلّفة تطبيقه في حينه لم تنهِ حروبها السياسيّة. فهل تعود الحروب الأهليّة وانطلاقاً من ماذا؟

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy