The News Jadidouna

الكاظمي وحقول الألغام بين إيران والسعودية

كتب هادي بو شعيا – جديدنا
حملت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض رسائل كثيرة للداخل العراقي والخارج إقليميا ودوليا، وذلك بعد شهر واحد من الكشف عن إستخدام الأراضي العراقية لشنّ هجمات بالطائرات على مصالح سعودية. كما أن هذه الزيارة، وهي الأولى للكاظمي منذ تسلّمه منصبه في نيسان/أبريل الماضي، تأتي ضمن رزنامة دقيقة، بينها عقد الحوار الاستراتيجي الأميركي-العراقي، والقمة الرئاسية الثلاثية التي تجمع رئيس الوزراء العراقي مع ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي.

داخليا، جاءت زيارة الكاظمي الى السعودية، في أعقاب الاستعراض العسكري الأخير المناهض لربط العراق بالمحور العربي الذي دأبت على ترسيخه ميليشيا “ربع الله” في بغداد لمهاجمة السعودية والإمارات ودول عربية أخرى، وهو ما رأى فيه البعض ترديدا لخطابات وأدبيات عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله. وأعقبت كذلك تظاهرات أخرى لفصائل الحشد الشعبي، منددةً بالكاظمي ومشيرة الى انعدام الثقة به.
هذه الحركة الاحتجاجية الداخلية، التي يُنظر أليها خليجيا ودوليا على أنها تنسجم مع نظرة إيران الى الكاظمي كرجل أميركا في العراق، لم تمنع رئيس الوزراء الذي يرفع سقف التحدي وينادي بالتوازن وباستقلال القرار العراقي، من ترسيخ علاقاته العربية والدولية، يساعده في ذلك الحديث المهم الذي قيل بعد لقائه ولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان عن اتفاقيات واستثمارات واعدة .
من الواضح أن خطواته هذه ستستمر وتتوسع صوب دول الخليج ودول عربية أخرى وصوب الاتحاد الاوروبي ، وهذا يسنجم تماما مع الرغبة الأميركية في تعزيز وضع الكاظمي داخليا وتحصينه بشبكة أمان اقتصادية، وتخفيف التأثير الإيراني على الداخل العراقي.

في هذا السياق حققت زيارته الى الرياض التالي :

•تأسيس صندوق سعودي عراقي بقيمة 3 مليارات دولار.
•التعاون في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة.
•تمويل الصادرات السعودية.
•تعزيز استثمار الشركات السعودية في العراق.
•التعاون في مجال التخطيط التنموي.
•تجنب الإزدواج الضريبي، وتوثيق التعاون الإعلامي.

هذه الاتفاقيات من شأنها إحداث تأثير نفسي واقتصادي في الداخل العراقي الممزّق على مذبح صراع المحاور، إذ يكفي الإشارة الى أن نسبة البطالة في صفوف الشباب العراقي تبلغ 30%، فضلاً عن الخسائر الإقتصادية التي خلّفتها الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والتي تقدّر بنحو 200 مليار دولار أميركي، لنفهم الحاجة الاقتصادية الهائلة في أحد أبرز الدول النفطية في العالم.

لا شك أن الكاظمي يسير في حقول ألغام كثيرة وخطيرة داخلية وخارجية، فهو يعرف من جهة حدود تحديه لإيران نظرا لتأثير حلفائها الكبير في الداخل ، ويسعى من جهة ثانية لتعزيز الحضور العربي، ويحافظ على علاقاته القوية مع واشنطن، اعتقادا منه بأن هذا التوازن الدقيق يستطيع أن يُحدث اختراقا جديا في مستقبل العراق لم يجروء أحد قبله على الذهاب بهذا الحسم صوبه.

لكن ثمة وجهة نظر أخرى تقول أيضا، إن انفتاح الكاظمي على الدول العربية لا يُزعج إيران لأنه يضمن مساعدات اقتصادية للعراق لا تستطيع هي تأمينها، وهذا ما يُشبه الى حد ما عودة الإمارات والبحرين ومصر مثلا الى دمشق، ذلك أن الأعباء المالية هائلة على المحور الذي تقوده طهران، ويدها قصيرة اقتصاديا بسبب العقوبات الأميركية وقانون قيصر.

بمعنى آخر إن ايران لا تنزعج من توسيع علاقات الكاظمي عربيا طالما أنها تبقى في الإطار الإقتصادي، ثم أن العراق قد يكون جسرا للتقارب العربي الأيراني كما كان الشأن مثلا في خلال عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي لم يمنعه تحالفه الكبير مع إيران من لعب دور الوسيط بين طهران ودول الخليج وعلى راسها السعودية. كذلك فان الرياض وبغداد تُمهّدان للمرحلة المقبلة في حال تقدم التفاوض الإيراني الأميركي صوب استئناف الحوار النووي وغيره. أما اذا كان رئيس الوزراء العراقي يريد إستبدال النفوذ الإيراني بنفوذ آخر في بلاده وينخرط في محور عربي دولي ضد أيران وسط الصراع المحموم حاليا بين واشنطن وطهران، فهذا سيلاقي حتما ارتفاعا لحركة الإحتجاج الداخلية ضده، وربما سيلاقي ما هو أخطر من ذلك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy